Sunday, 06 Oct 2024

ملكة البرتقال اليمنية

ملاك أحمد
في عام 1975 بدأت امرأة يمنية في عصر الرجال بشق طريقها في درب لا تجرؤ النساء على مجرد النظر إليه آنذاك. آمنة العمراني سيدة ريفية بسيطة من محافظة عمران حرمت كمعظم قريناتها من الفتيات من التعليم فلم تستطع القراءة والكتابة فكانت هذه العقبة حافزًا لها لتصر على تعليم فتياتها فيما بعد. مع مصدر دخل قليل والكثير من العزم والأمل، ومن نقطة الصفر بدأت حياة السيدة آمنة العملية لتصبح فيما بعد من أكبر تجار الفواكه في اليمن.
  • بداية رحلتها في عالم التجارة

    دلفت الراحلة أمنة العمراني باب التجارة أول مرة حين بدأت ببيع المرجان والملابس النسائية للنساء متنقلة في دأب شديد بين المدن والقرى سيرًا على الأقدام. ونقلًا عن حكايتها التي ترويها لإحدى القنوات التلفزيونية فُتحت لآمنة أبواب تجارة الفاكهة حين قايضت إحدى السيدات قلائد من المرجان التي كانت تبيعها بثمار الخوخ ثم استطاعت تحقيق الربح ببيع الخوخ لتعود من أجل شراء المزيد فأصبح الخوخ أول استثمار لها في الفاكهة بعد أن نجحت ببيع أول شحنة لها في تعز والعديد من المدن لتتحول إلى بيع الفاكهة بالجملة لتجار التجزئة بعد مفاوضة المزارعين.

  • عقبات وصعاب

    وكما واجهت آمنة صعوبة في تقبل محيطها لها كسيدة أعمال تمارس مهنة في وقت اتسم المجتمع فيه بالانغلاق والتحفظ الشديدين. مجتمع لا يتقبل عمل النساء ويعتبره عارا رغم أن 80% من النساء آنذاك كن يعملن في حقول عائلاتهن دون مقابل إلا أن ممارسة التجارة كانت حكرًا على الرجال. لذلك فقد كان أول من حارب آمنة ووقف أمام سعيها للبحث عن لقمة عيشها هم عائلتها، إخوتها ووالدتها وتحكي آمنة بابتسامة وحزن "تركوني جميعهم، قاطعني إخوتي وتبرأوا مني أشعرني ذلك بنوع من العقدة ما جعلني لا أرغب بزيارة أو رؤية مدينتي مجددًا". لكن كل ما قاسته من صدود وهجران ومعارضة من عائلتها صنع منها امرأة ديناميكية فأوصلها لما لم يحلم منافسوها من الرجال بالوصول إليه. وحده زوج آمنة من كان صديق محنتها والداعم لها في عملها، لكن الصعوبات ازدادت بعد سفره للعمل وترك عائلته لثمان سنوات ليوكل لآمنة مهمة صعبة، الاعتناء بصغيراتها والعمل في التجارة وقد تخطت آمنة ذلك بنجاح، رغم أن الحرب التي واجهتها استمرت لتصل لمنافسيها في سوق العمل، والذين حاولوا إحباط عملها حتى تترك السوق حيث تروي آمنة "كانت المنافسة صعبة، كلهم رجال في هذا المجال. ولأنني امرأة وأنا ناجحة حاول بعض الناس إزعاجي لإخراجي من السوق"

  • كيف نالت لقب ملكة البرتقال؟

   في إحدى رِحْلات آمنة للتجارة في محافظة مأرب قادتها الأقدار لتكتشف محصول البرتقال في هذه المدينة، وعدم اهتمام المزارعين في القرى بالبرتقال وغيره من الحمضيات حيث يتم إطعامه للماشية، وكان البرتقال آنذاك فاكهة غير معروفة سوى في المدن الكبرى التي كانت تستورد البرتقال المصري. قررت آمنة حينها البَدْء بمغامرة جديدة وتجربة شراء البرتقال من المزارعين في مأرب لتحقق نجاحًا كبيرًا آخر في بيعه في المدن الأخرى، لتصبح تجارة البرتقال طريقها إلى الثروة والنجاح، كأول رائدة أعمال يمنية تصنف ضمن قائمة أقوى 50 سيدة أعمال عربية وفقا لمجلة فوربس Forbes الأمريكية (الشرق الأوسط)، واحتلت آمنة المرتبة الـ 34 من بين سيدات الأعمال الأكثر تأثيرًا في بلدان العالم العربي، باعتبارها ملكة البرتقال في اليمن.

  • استقرار آمنة في عالم تجارة الفاكهة وتغلبها على المنافسين

    وبمرور الوقت باتت آمنة أكثر خبرة ونبوغًا وفهمًا للسوق وتغلبت على أكبر تجار الفاكهة واستطاعت إزاحتهم حتى أصبحت التاجرة الأكثر نجاحًا وفتحت سوقها الخاص ببيع الفاكهة. وفي نهاية الثمانينيات كانت آمنة تقطف ثمار صبرها ومثابرتها لتفتتح شركتها الخاصة بتسويق الفاكهة اليمنية محليًا وخارجيًا التي أطلقت عليها اسم "مؤسسة النصر لتسويق الفواكه اليمنية" لتسيطر على تجارة الفواكه في صنعاء وتتصدر تجارة البرتقال. وما كان يثير الإعجاب والتقدير هو اعتمادها على نفسها باتخاذ القرارات الإدارية الخاصة بالعمل بالطريقة التقليدية نفسها التي بدأت بها العمل، فوفقًا لمجلة فوربس كانت آمنة تحتفظ بكامل عملياتها الحسابية داخل رأسها حتى تعود إلى البيت، حيث تقوم بناتها بدور الإدارة المالية. وذكر زوجها في لقاء لإحدى القنوات "تركت إدارة العمل لها، عندما كنت أحاول الذَّهاب للبيع والشراء لا أنجح مثلها" مشيدًا بمهارة آمنة وقدرتها على مساومة التجار والعمل في التجارة وقد استطاعت إدارة شركة كاملة بمفردها بنجاح حيث عمل لديها أكثر من 500 عامل. وكانت آمنة ترى أن النساء أكثر نجاحًا من الرجال في أي عمل يوكل إليهن لإخلاصهن ووفائهن وتفانيهن في العمل.  

    ولم تقف آمنة عند هذا الحد، بل واصلت نجاحها لتصدر البرتقال إلى أسواق عربية منها المملكة العربية السُّعُودية، والإمارات والأردن وسوريا ومِصر فتكونت لديها نتيجة لذلك علاقات واسعة بالمزارعين اليمنيين وكذلك مع تجار الفواكه في الخارج وقد دعيت لحضور العديد من الفعاليات الزراعية الرسمية في كلٍ من: ألمانيا وإسبانيا والصين ومصر والأردن وسوريا ولبنان، وحصلت على شهادة تقديرية من جامعة الدول العربية ومن جهات حكومية زراعية يمنية تقديرًا لإسهامها في تسويق المحصول الزراعي اليمني. توفيت ملكة البرتقال قبل عامين بعد أن أصبح لاسمها صدًى كبير كأول سيدة أعمال يمنية، خطت بشجاعة وتصميم نحو الحياة ليحتذي بها الرجال والنساء معا

Related Post