Sunday, 06 Oct 2024

تأثير ما نأكل على عملنا

من الجيد أن تبذل جهداً في عملك لإنجازه بالشكل المطلوب، لكنك لا تستطيع القيام بأفضل ما عندك لأسباب كثيرة منها: مزاجك السيئ، وصحتك النفسية، وبعض المشكلات الصحية كمشكلات المعدة والقولون، أو الشعور بالجوع والإرهاق المستمر، بالإضافة إلى الخمول الدائم، وفقدان القدرة على التركيز؛ كل هذا يجعلك متأخراً في إثبات نفسك في عملك وأدائه بالوقت وبالشكل المطلوب. كما يؤثر بشكل واضح على مهاراتك الوظيفية، لكن كيف يؤثر ما نأكل على ما نعمل؟ 


تأثير الغذاء على الأداء الوظيفي:

عندما نفكر في العوامل التي تساهم في الأداء في مكان العمل، نادرًا ما نولي اهتمامًا كبيراً للطعام. لكن في حقيقة الأمر يؤثر نوع ما نأكل ومتى نأكله على قدراتنا العقلية والجسدية، فالمعلوم أن الغذاء يمثل مصدر الطاقة الأساسي لأجسامنا. إنه وسيلة شحن لأجسامنا لتقوم بأداء الأعمال والمهام اليومية. ولنكون أكثر دِقَّة هنالك عدة مصادر حيوية للطاقة التي تحتاجها أجسامنا للعمل: الأكل، والماء، والنوم، الأكسجين. وأي اختلال في حصولنا على القدر الكافي من هذه الاحتياجات الأساسية يؤثر سلباً على قدرتنا على الأداء بشكل يومي. 

تقول أخصائية التغذية العلاجية، ليلى حسين، لنافذتي: "طبيعة الغذاء ونوعية الغذاء، وهل نحن نتناول الوجبات في مواعيدها؟ وهل إفطارنا اليوم بنفس توقيت إفطارنا البارحة؟ وهل نوعية الإفطار صحية أم غير صحية؟ هذه العوامل كلها تؤثر على قدرتنا على الأداء الوظيفي أو النشاط الفيزيائي بشكل عام. كما تؤثر ممارستنا للرياضة أو عدم ممارستنا لها على مستوى الأداء الوظيفي أيضاً".

وتلعب التغذية على وجه الخصوص دوراً رئيسياً في توفير الطاقة اللازمة لأدمغتنا والتي تقوم بأغلب الجهد الذهني المطلوب في معظم الوظائف. إذ يقول جان ماري بور، وهو طبيب وكيميائي وباحث فرنسي في علم الأعصاب، في مقال بعنوان (تأثيرات المغذيات على بنية ووظيفة الجهاز العصبي) "يستهلك الدماغ نسبياً كمية كبيرة من الطاقة مقارنة ببقية الجسم. على الأرجح أن الآليات التي تتضمن انتقال الطاقة من الغذاء إلى الخلايا العصبية هامة جداً للتحكم بوظيفة الدماغ." 

ويضيف: "قد تتأثر العمليات المعرفية بسبب عدم تناول ما يكفي من الفيتامينات المناسبة وذلك من خلال عرقلة العمليات المعرفية التي تعتمد على المغذيات والتي تكون مرتبطة بإدارة الطاقة في الخلايا العصبية." 

لذا، فمن المهم أن ندرك أن النقص في حصتنا من بعض الفيتامينات والمعادن تؤثر بشكل سلبي على قدرتنا على التركيز في العمل وتزيد من مستوى خمولنا وإحساسنا بالتعب حتى قبل أن نبذل نصف الجهد المطلوب في العمل. 

والحل في التنوع الغذائي الذي يوفر لنا بشكل مستمر مصادر الطاقة الغذائية من فيتامينات ومعادن وأحماض ضرورية في عمليات الأيض اليومية. تقول ليلى: "ومن المهم أن نشير إلى ضرورة احتواء وجبات الطعام اليومية على شيء من الفواكه والخضار، كوجبة خفيفة بجوار الوجبات الأصلية. ومن المهم أن تحوي الوجبات الأصلية على قدر من التنوع، أي تحوي بروتينات وفيتامينات ونشويات وسكريات طبيعية كالتمر مثلاً."

كما أن الغذاء هو جوهر الحفاظ على الصحة. ويقال أخبرني ما تأكل أخبرك بأمراضك المحتملة. الشخص الصحي أقل عرضة للأمراض وبالتالي أقل أخذاً للإجازات، فهو قادر على أداء العمل بدون عراقيل صحية. 

وهناك فرق واضح في الأداء بالنسبة لشخص استيقظ مبكراً، ومارس بعض التمارين الرياضية، وتناول وجبة صحية،  والذي استيقظ متأخراً، ولم يمارس أي تمارين رياضية ثم تناول على عجالة وجبة غير صحية. 

في هذا الصدد تشير ليلى (أخصائية التغذية العلاجية): "يجب أن أنوه إلى أن الأغذية التي تحوي على نسبة دهون عالية أو الوجبات السريعة "تجمد الدماغ"، أقصد بذلك أن الوجبات غير الصحية تجعل ذهننا مشتتاً. كثير ما يخبرنا الآخرون أنهم بعد تناول وجبة الغداء لا يستطيعون التركيز، لماذا؟ لأن الشخص يأكل إما وجبات دسمة أو وجبات خفيفة غير صحية تجعل الذهن يعمل بشكل أقل، ويضعف القدرة على التركيز".

وتشرح ليلى التأثيرات الإيجابية للنظام الغذائي الصحي على الموظف قائلة: "من التأثيرات التي ستظهر بشكل ملحوظ هي أن ذهنه سيكون يقظاً، طاقته لن تنتهي مع منتصف اليوم، تركيزه سيظل حاضراً حرفياً، الأداء الذي يبذله الموظف سيضاعف. وعلى مستوى السهر، فإنه يؤثر على المشكلات الهضمية، والآن قارن بين موظف يعاني من عسر هضم وآخر لا يعاني من مشكلة كهذه، أيهما سيؤدي بشكل أفضل؟! وكذلك تركيز الموظف الذي تناول وجبة إفطار صحية أعلى من ذلك الذي بدأ عمله ومعدته خالية. فمن ناحية التركيز ومن ناحية القدرة على الاستمرار خلال اليوم دون فقدان الطاقة، يشكل الغذاء شيئاً مهماً جداً"


تأثير نوع العمل على غذائنا وما نتناول:

بحثت دراسة حديثة أجرتها وزارة الزراعة الأمريكية وخدمة البحوث الاقتصادية (ERS) في كيفية تأثير العوامل المتعلقة بظروف العمل مثل طول أيام العمل وساعاته على خيارات الأفراد الغذائية والأهداف الصحية الأخرى.

وحللت الدراسة أن الأعمال تجعل الموظفين يصنعون فوارق طويلة بين الوجبات تزيد على 4 ساعات. ومن المعروف أن الانتظار لمدة تزيد عن 4 ساعات بين الوجبة والأخرى يساهم في انخفاض مستويات السكر في الدم وانخفاض مستويات الطاقة والميل إلى الإفراط في تناول الطعام في الوجبة التالية.

كما أشارت الدراسة أيضًا إلى أن العمل لساعات طويلة، بالإضافة إلى تحمل الجوع لفترات طويلة من الوقت يزيد من استهلاك الأطعمة ذات السعرات الحرارية العالية والجودة الغذائية المنخفضة، عند الإقدام على تناول الطعام دفعة واحدة وتناوله في الخارج. 

وتوضح ليلى هذا التأثير بشكل آخر إذ تقول: "طاقتنا تنتهي تقريباً بشكل كامل مع حلول المغرب فلو أن الشخص يداوم دوامين أو يؤجل عمله إلى الليل فهذه مشكلة حقيقية.  بالإضافة إلى الشعور بالتعب بعد ساعتين من التركيز تكفي لجعلي أخرج عن الخدمة (أفصل) كما يقال، لماذا يحدث ذلك؟ لأنني أحتاج إلى طاقة. والشخص الذي يضع لنفسه نظامًا غذائياً جيداً، وهو يعمل أو يؤدي وظيفة معينة، دائماً ما تكون طاقته موزعة على أوقات يومه."

يمكن أن يكون العمل ممتعاً - بطرق جيدة وسيئة - وقد يضيع بعض الأشخاص في مهمة وينسون تناول الطعام. وقد يعني هذا أنه عندما يفعلون ذلك، فمن المرجح أن يكونوا مفترسين ويمسكوا بكل ما هو قريب لحل مشكلة الجوع.

ومن الجانب العملي، مع كل ما يجب إنجازه في يوم العمل، قد نشعر كما لو أننا لم يكن لدينا الوقت لتحديد أولويات إعداد وجبات خفيفة ووجبات غداء صحية، أو أننا مشغولون جدًا عن الخروج لشراء شيء طازج ووجبات غداء صحي.

لا يقتصر الأمر على أولئك الذين لديهم وظائف مكتبية من 5 إلى 9 سنوات. إذ يمكن أن تتطور عادات مماثلة نتيجة العمل لساعات طويلة، أو العمل في نوبات ليلية، أو الوقوف باستمرار على قدميك، أو السفر للعمل.

من المهم أن ندرك أنه ليس فقط نوع الغذاء الذي يؤثر على عملنا فقط، وإنما طبيعة عملنا أيضاً تؤثر على عادتنا في تناول الطعام. 


نصائح وحلول عملية لنظام غذائي صحي يرفع من الأداء الوظيفي: 

  1. تنصح أخصائية التغذية العلاجية ليلى حسين بحل لمشكلة الدوام المكتظ الذي يؤثر على خياراتنا الغذائية: "أنا مع فكرة اللانش-بوكس (حافظة الطعام)، بالذات مع الأشخاص الذين يعملون بدوام كامل ولا يجدون وقتاً للعودة للمنزل وتحضير وجبات صحية وكافية ومتنوعة، ويضطرون في العادة إلى تناول أطعمة غير صحية."

لكن على أن تتنوع الوجبة بحيث تحتوي على كميات من البروتينات والفيتامينات، والسكريات، والنشويات، وغيرها. 

  1. "كذلك علينا تنظيم وقتنا بحيث نحدد وقت الوجبات الرئيسة ووقت الوجبات الخفيفة، لأن التأخير قد يؤدي إلى اضطرابات هضمية واضطرابات في النوم وكل ذلك بالتأكيد سيؤثر سلباً على الأداء الوظيفي. ويجب تجنب الأطعمة التي تسبب نشاطًا زائدًا، مثل الحوامض والحلويات والشوكولاتة، والتي تدخل الشخص في حالة من النشاط العالي جداً وغير المسيطر عليه، بينما الخضار والفواكه والعصائر الطبيعية تخلق نشاطاً مسيطراً عليه." تقول ليلى.  

وتضيف: "يظن البعض أن الكافيين أو الحلويات كالشوكولاتة تجعله نشيطاً لكنها في الحقيقة تخلق نشاطاً سريعاً ومفاجئًا وسريع الاختفاء، بل وتخلق خمولا مضاعفا بعد انتهاء مفعولها، وتشتت الذهن كما يبدو ذلك واضحًا في الأطفال عند تناول الحلويات. لكونها أشياء مضاعفة، وقد تؤدي إلى دخولنا في صدمة سكر. فيما الفواكه تقوم بخلق نشاط طبيعي ومنطقي ويستمر فترة أطول، ولا تترتب عليه أي مضاعفات."

  1. والجواب دائماً هو كما تقول ليلى لكل موظف يريد إحداث تغييراً حقيقياً في نظامه الصحي: "عليَّ أولاً أن أقرر أن أكون صحياً. ثم أبدأ باعتماد حافظة الطعام. ومن المهم أن أركز على أن الوجبات الخارجية أكثر تكلفة من الوجبات المنزلية." 

  1. سألنا ليلى "كيف يمكن أن تسهم المؤسسات والشركات والمنظمات في دعم النظام الغذائي الصحي للموظفين في رأيك؟" فكانت نصيحتها الأخيرة لجهات العمل كالتالي:

"أنصح بأن تعمل المؤسسات على إشعار الموظفين بأهمية الوضع الصحي، ويمكن التنبيه عليهم أثناء التوظيف. كما أنصح بوجود مطبخ، يتوفر فيه ماء وخلاط وموقد وأشياء تمكن الموظفين من إعداد طعامهم أو تسخينه. 

  1. وعلى أصحاب العمل والمدراء أن يتذكروا أن الموظف هو جنديهم الذي كلما كانت صحته أفضل كان أداؤه أعلى وانعكس ذلك على مستوى العمل بكل تأكيد. 

  1. كما يمكن للشركة أو المؤسسة إرسال رسائل وإشعارات تحوي نصائح للموظفين بما في ذلك الجوانب الغذائية الصحية. ويمكن توظيف طباخ أو طباخة، لإعداد وجبات للموظفين تستقطع تكاليفها من الموظفين عوضًا عن الخروج لتناول وجبات غير صحية وتضييع الوقت في التنقل وربما أيضًا بتكاليف أعلى وأقل فائدة، كما يمكن أن تتعاقد الشركة مع مطعم مختص في الوجبات الصحية لتوفير الطلبات للموظفين."

انتهى لقاؤنا في مجلة نافذتي مع السيدة ليلى حسين أخصائية التغذية العلاجية وأحبت أن تلفت انتباه كل موظف بأن يكون صبورًا ويدرك أن "النظام الغذائي الصحي عادات تكتسب مع مرور الوقت" على حد تعبيرها، وأضافت نصيحة أخرى: "إلى جانب ذلك -أنصح- بالرياضة لأنها تقوم بعمل ضبط إدارة الإرهاق والضغط."

وتشير أيضاً إلى أن نكون مدركين لفوائد هذا التغيير الذي نحاول القيام به في نظامنا الغذائي قائلة: "ومن المهم الإشارة إلى أن النظام الغذائي سيحميك من المرض وبالتالي لن تضطر لأخذ إجازات مرضية اضطرارية بشكل مستمر ويتأخر إنجاز المهام بسبب ذلك، لن تعاني من مشكلات كالمعدة ولا الإمساك أو الانتفاخ كما ستتجنب مشكلات الضغط وستحافظ على مستويات السكر في الحالة الطبيعية لها.  كما سيقوي النظام الغذائي الصحي مناعتك."

وتقول: "ويجب أن أنبه إلى أنه كلما انشغل الشخص قل شربه للماء. جسمك سيصاب بالجفاف بالذات لكونك تُعمل ذهنك وتركز وفي ضغط عمل، وهذا يسبب الصداع والنعاس والتثاؤب وفي الغالب يكون ناتجا بشكل أساسي عن العطش، والماء أيضاً حل سحري لموضوع القولون العصبي. لذا؛ من المهم أن يأخذ الشخص احتياجه اليومي من الماء."

بهذا الكلام نختم هذا المقال ونحن نعرف تأثير الغذاء على قدرتنا على العمل، كما نعرف كيف يمكن أن نتغلب على تأثيرات بيئة ووقت العمل على نظامنا الغذائي. فالعمل ليس مجرد وظيفة تؤديها. إنه مساحتك للإبداع، التي يجب أن تكون فيها في أفضل وضع من الناحية النفسية والصحية لتنجز فيها الكثير.

Related Post