Sunday, 06 Oct 2024

بين زوايا الأحياء وفي ألعاب الأطفال كيف يحفظ الموروث اليمني ترابط الأجيال

يمتاز التراث اليمني بالعديد من الفنون المتفردة والتي أسهمت في بناء ثقافة متماسكة وترابط اجتماعي نحِنُّ إليه في وقتنا الحاضر، خصوصًا، بعد أن أدت التكنولوجيا إلى تخلخله. ومن المؤسف أن العديد من هذه الفنون غير مسجل ومؤرخ. وتعد الألعاب الشعبية اليمنية بما فيها من رقصات وحركة وغناء جزءا من الفن والتراث اليمني وما زالت بعضها حية في العديد من أحياء المدن اليمنية. وقد ساهمت الألعاب الشعبية التي عادت للظهور بشكل كبير بعد الحرب في 2014 في مقاومة الأطفال للتأثيرات النفسية جراء الحروب والنزوح المتواصل حيث ظهرت الألعاب كمعالج لاحتياج المجتمع وبخاصة الأطفال، ومساعد في التلاحم والترابط اجتماعيًا حتى يتغلبوا على الشعور بالإحباط والاكتئاب الناتج عن الأزمات المصاحبة للحروب.

والألعاب الشعبية متنوعة وكثيرة جدًا بعضها مرتبط بسن معين وبعضها مرتبط بموسم محدد كرمضان أو العيد فتكون موسمية وغالبًا السن يحدد اللعبة فهناك ألعاب مقصورة على الصغار يتوقف غالبًا الأطفال عن لعبها بعد سن الرابعة أو الخامسة، وهناك أيضًا ألعاب خاصة بسن العاشرة والإحدى عشر وتختلف أيضًا ألعاب الأطفال ذوي الستة عشر أو السبعة عشر سنة كذلك هناك ألعاب خاصة بالفتيات دون الفتية وألعاب يفضلها الأولاد.

هناك ألعاب عدّة  يمارسها الأطفال في اليمن وما زالت تتوارث حتى يومنا هذا أشهرها لُعْبَة "الوقل" ولعبة "الحصى" "والتلفون الخربان" وألعاب خاصة بالفتية "كالزراقيف" وهي مسمى يمني يطلق على لُعْبَة الكرات الزجاجية الملونة ولعبة "الحُق" وهي عبارة عن علبة معدنية يلعب بها الأطفال ولعبة "كهرباء" ولعبة "سبت أحد" ولعبة "الغميضة" أو ما يسميها الصغار ب"غماء أو غماية" ولعبة "حبس أمان" ولعبة "الكوفية الخضراء" ولعبة "سين صاد" و"تفتحي يا وردة" "وقبة الطيار" و لعبة "طاقة حديد" وألعاب فيها أدوات "كالخرويرة" "والزراقيف" ولعب خاصة بالفتيات مثل لُعْبَة "شوكولاتة" كذلك لعبة "شمس قمر" وألعاب ذهنية مثل "الكيرم" ولعبة "سارق وجلاد" ولعبة "من الغماز" وتعد لُعْبَة تستخدم فيها الأوراق "وشمس قمر" المشهورة بين الصغيرات، وغيرها الكثير من الألعاب ويؤسفنا ألا نستطيع الحديث عن جميعها. ولكن لمَ لا نستمتع بالتعرف على بعض هذه الألعاب كلعبة شوكولاتة؟

لُعْبَة شوكولاتة:

لعلك ما زلت تتذكر مشاهدة العديد من الفتيات يلعبن هذه اللعبة وما تبرح كلمات أغنية شوكولاتة بالتدفق إلى خلاياك الرمادية حين تسمع بعض كلماتها في الشوارع وصدقني أنك ستواجه صعوبة بعدها في إخراجها من عقلك. تمارس هذه اللعبة الصغيرات من سن الأربع وهن ممسكات أيدي بعض في حلقة دائرية ما تلبث أن تتفكك حين تبدأ اللحظة الحاسمة في أغنية اللعبة والتي يبدو أن هناك العديد من الكلمات الدخيلة عليها من اللغة الإنجليزية. ومنذ أن تبدأ الصغيرات بغناء مقطع "الخيط الأحمر" فإنهن يقفن مواجهة بعضهن بعضًا ويقمن بحركات سريعة متساوية بأيديهن ومن تخطئ بترتيب الحركات تكن الخاسرة.

وفي البحث عن ألعاب أكثر حركة وحماسا نقف أمام لُعْبَة قل من لم يلعبها وهو طفل أو على الأقل لم يستمتع بها! هل سبق ولعِبت شد الحبل في طفولتك؟!

شد الحبل:

تعتبر لُعْبَة شد الحبل لُعْبَة مشتركة يلعبها الفتيان والفتيات معًا.. تحتاج لعبتنا هذه لِحبل طويل ومجموعة من اللاعبين  بأعداد زوجية ليكونوا فريقين متساويين، سنبدأ بربط وسط الحبل تمامًا بقطعة قماش حتى تحدد المسافة الخيط بين  الفريقين بالتساوي والآن لنرسم خطًا على الأرض يبين حدود الفِرق ستكون أنت قائد الفريق المنافس وتقف في نقطة مناسبة مبتعدًا بمسافة عن وسط الخيط ويتبعك بعدها أصدقاؤك في الفريق وسأكون أنا قائد الفريق الخصم سأقف مقابلًا لك في النقطة المقابلة مبتعدًا بنفس المسافة عن وسط الخيط يتبعني أصدقائي في طابور متوالي، نبدأ اللعبة بعد أن يقوم الفريقان بالعد حتى العدد المتفق عليه ثم نبدأ بالشد في ذات الوقت وإذا تجاوزت قطعة القماش الخط متجهة نحو أحد الفريقين، يفوز الفريق الذي سحب الفريق الآخر وهكذا بالطبع يخسر الفريق الآخر. وتعتمد لعبتنا هذه على قوة الجر، فالفريق الأكثر قدرة على الاحتمال هو الفائز.. مرحى لقد فزنا!!

لنجرب لُعْبَة أخرى ما رأيك بلعبة البيضة؟

 البيضة:

تندرج لعبتنا هذه ضمن الألعاب المحبوبة بشكل كبير لجميع الصبية والفتيات والتي يلعبها الأطفال أكبر من سن العاشرة غالبًا، حيث يبدأ الأطفال في هذا السن بالبحث عن ألعاب تتطلب مهارة وحركة بعد أن يشعروا أنهم قد كبروا على الألعاب التي تمتلئ بالأغاني والحركات اللطيفة التي تصنف للصغار مثل شوكولاتة وشمس قمر، فتصبح لُعْبَة البيضة أحد ألعاب المرحلة العمرية الثانية، لنقم بعمل تجربة لِلعبتنا الممتعة هذه، نحتاج فقط في هذه اللعبة إلى كرتونة عصير فارغة وبعض الورق أو الأكياس البلاستيكية، وغالبًا -وكما يفعل معظم الأطفال- سنقوم بإحضار كرتونة عصير فارغة نفتحها من الأعلى ونملؤها بالورق وأي شيء لا حاجة له كالأكياس البلاستيكية ثم بعد أن تقترب من الامتلاء وحين نرى وزنها مناسبًا نتوقف حتى نستطيع لف حواف الكرتونة إلى الداخل حتى تصبح متماسكة قابلة للرمي، من المهم ألا نملأها بشيء يؤذي حين ترتطم بأحد اللاعبين. والآن، لننقسم لفريقين ونختار لاعبينا، عادة ما يصبح بعض الفتية والفتيات أكثر مهارة في لعب البيضة من قرنائهم لذلك يتنافس عليهم قادة الفرق، بعد تقسيم اللاعبين بالتساوي وإن كان عدد اللاعبين فرديًا فإننا نختار لاعبًا ليصير الحكم وهذا ما سنفعله اليوم، يقف الفريق الذي سيرمي عليه البيضة أو كرة الكرتون في خط أفقي واحد ويقسم الفريق المنافس فريقه لثلاثة لاعبين على الأكثر خلف لاعبي الفريق الأول وثلاثة مقابلهم وإذا كان عددهم أكثر يبقى البقية يشاهدون اللعبة حتى لا يتشتت الفريق الذي يتبادل قطعة الكرتون فيما بينهم، حين تبدأ اللعبة يقوم الفريق المتحكم برمي البيضة فيما بينهم مباشرة فوق لاعبي الفريق الأول أو عليهم، بينما يتحرك لاعبو الفريق الأول بين لاعبي الفريق المنافس جيئة وذهابًا بسرعة حتى إذا ارتطمت البيضة بأحد اللاعبين الذين يجرون يخرج من اللعبة، لكن إذا استطاع أحد اللاعبين إمساك قطعه الكرتون فهنا يكون قد حصل على بيضة ويستطيع استخدامها لإنقاذ نفسه أو أحد رفاقه في الفريق إذا ارتطمت الكرتونة به، ويعد اللاعبون الأمهر هم من يستطيعون إمساك أكبر عدد من البيض، ومن أحد شروط اللعبة أنك لا تستطيع ضرب اللاعب الذي يجري بالبيضة بعد لحظة وقوفه أمامك مباشرة بل إذا كان  يجري في الجهة المعاكسة أمام رفاقك أو إن وقف مقابلك وجهًا لوجه أمام أصدقائك، وهكذا ستجد لاعبي الفريق الأول يتساقطون ويبقى واحد فقط حينها يحدد هذا اللاعب الفريق الفائز بحيث إذا قام بعشرة دورات دون أن تلمسه البيضة يفوز فريقه أما إذا خسر يخسر فريقه بالتأكيد، أليست لُعْبَة ممتعة جدًا؟ وهناك ألعاب لها شعبية كبيرة بين الأطفال ومع ذلك قد تكون هذه هي المرة الأولى التي يسمع عنها البعض منا   كأحد ألعاب المراهقين ضرب الحدوي!!

ضرب الحدوي

 للعبة ضرب الحدوي أكثر من اسم وتعني ضرب العصا، وفكرة اللعبة أن نحضر عصاتين واحدة طويلة والأخرى صغيرة العصا الطويلة تستخدم كمضرب والعصا الصغيرة بديل للكرة. توضع العصا الصغيرة على حجرتين واللاعب الأول يقوم برفع العصا الصغيرة إلى الهواء ويضربها بالعصا الثانية إلى أبعد مسافة ممكنة ثم يقوم اللاعب الآخر بالتقاط العصا ومحاولة إعادتها إلى جانب الحجرتين التي كانت موضوعة فوقهما واللاعب الأول يحاول منعه باستخدام العصا وبعد أن تصل العصا الصغيرة إلى قرب الحجار أو إلى أي مسافة تقع فيها بعد أن يرميها اللاعب الثاني يتم حساب المسافة بالعصي الطويلة كم عدد الأمتار البعيدة عن الحجر ويتم الاتفاق سلفًا على عدد محدد، وإذا وصل اللاعب إلى هذا العدد قبل غيره وكانت ضربته أبعد فهو الفائز. لعبتنا التالية لُعْبَة كهرباء وهي لُعْبَة ما زالت معروفة لدى الأطفال في العديد من المدن اليمنية بنفس الاسم

لُعْبَة كهرباء

 وهي لُعْبَة مطاردة شخص يطارد بينما يهرب البقية منه أو ينقسم اللاعبون إلى فريقين فريق المُطارِد والفريق الآخر المُطارَد ويتم بَدْء اللعبة حين يبدأ أحد الفريقين بمطاردة لاعبي الفريق الآخر فإذا تم الإمساك بأحدهم قبل أن يقول كلمة كهرباء فإنه سيصبح المُطارِد ويتحول اللاعب الآخر إلى فريسة أما إذا قال كلمة "كهرباء" فإنه يبقى في حالة تصنم حتى يأتي أحد أفراد فريقه ليقوم بلمسه حتى يتحرر من هذه الكهرباء. 

ألعابنا الشعبية المتبقية هي لُعْبَة الأربال المطاطية والزراقيف ولعبة الخريطة وطاقة حديد وهي غالبًا ألعاب يتجه الصبيان نحو لعبها.

لُعْبَة الأربال "الخيوط المطاطية"

عبارة عن خيوط مطاطية لها أكثر من نوع، يشتري كل طفل أربال مطاطية ثم يضعها في دائرة أو عصا ثم يقوم الأطفال بقذف العصا بالحجار ومن يستطيع أن يقلب العصا يأخذ الأربال تلك كجائزة.

لُعْبَة الزراقيف "الكرات الزجاجية"

وتعد من أقدم الألعاب الشعبية حيث وجِدت لها آثار قديمة من مختلف المواد البدائية كالطين والصلصال في باكستان قبل أن تتطور إلى شكلها الحالي. وغالبًا ما يتم تجميعها، إما للاحتفاظ بها كذكرى أو لألوانها الجمالية. وهي لعبه متنوعة تختلف قواعدها وتتفرع منها العديد من الألعاب فتسمى على سبيل المثال في مدينتي تعز وعدن "الفتاتير" ولها أكثر من اسم حول العالم وأبرز الأسماء العربية لها "تيله" وفي الإمارات "مصاقيل" وفي السُّعُودية "دعبله" وفي العراق "علال" وفي بلاد الشام "دحاحيل" وفي سوريا "بلى" في مصر وتعرف في فلسطين ب "البنانير" أو "القلول".  

الفكرة في هذه اللعبة أن يتم جمع عدة كرات زجاجية من كل لاعب ويتبارى اللاعبون على الكرات المختارة، بحيث يحصل الفائز على الكرات جميعها. وهناك أنواع عديدة من الألعاب تختلف حسب المنطقة، كأن يقوم اللاعبون برص الكرات على شكل دائرة ومحاولة قنصها بكرة أخرى. 

لُعْبَة الخريطة

في هذه اللعبة ينقسم الفريق إلى قسمين فريق يقوم برسم خريطة تبدأ الرسمة بمنطقة وتنتهي بمنطقة هذه الخريطة تحدد اتجاه الفريق، وما هو الطريق الذي سيسلكه أثناء هروبه. في حين أن الفريق المُطارِد يقوم بمتابعة خريطة للإمساك بهم فإذا عاد أحد أفراد الفريق الذي قام برسم الخريطة ومسح الخريطة قبل أن يستطيعوا إمساكه فإن الفريق يبقى فائزًا ويرسم خريطة أخرى. وهكذا تستمر اللعبة إلى أن يتم القبض عليهم قبل أن يقوموا بمسح الخريطة فالفريق الذي كان يطارِد يقوم برسم خريطة بدوره وينطلق للهروب.

لُعْبَة طاقة حديد

 وهي لُعْبَة صبيانية وعنيفة نوعًا ما وفردية فكل شخص يمثل نفسه في اللعبة ولا وجود للفرق، ولا يوجد عدد محدد للاعبين. يدخل جميع اللاعبين إلى الملعب ويلعبون اللعبة بواسطة الكرة والأقدام، ولكنها تختلف عن أي لُعْبَة قد تتخيلها فالهدف من اللعبة أن تحاول إدخال الكرة من بين أقدام اللاعبين فتصنع ما يسمى بين الأطفال "بالطاقة" فإذا مرت الكرة بين قدمي أي لاعب فإنه يصبح ضحية ويقوم جميع اللاعبين في الملعب بضربه حتى يستطيع إيجاد قطعة حديد ويلمسها فإذا وجدها واستطاع لمسها نجا من الضرب فيتوقف الضرب وتعاد اللعبة مرة أخرى وهكذا.. وتلعب في سن متقدم بين الرابعة عشر وأكثر.

دعونا نتفق على أن جميع الألعاب التي كبرنا معها هي كنوز لشعبنا وتاريخ عريق تأصل فينا وبدأ بالاندثار، ونأمل بتوثيقها وجمعها من أعتاب الأحياء القديمة ونشر تأثيرها على تقليل اضطراب نفسية الأطفال بعد الحرب. وكم ساهمت هذه الألعاب وما زالت تسهم في بناء شخصية الطفل وتكوين حياته الاجتماعية وتنمية قدرته على تكوين العلاقات وتحسين مِزَاج الأطفال خصوصًا في الأوضاع التي تشهدها اليمن منذ ما يقارب عقدًا من الزمن. وقد أشار العديد من الكتاب وأخصائي السيكولوجيا إلى العمل الذي أسهمت به عودة الألعاب الشعبية في مرحلة حساسة كهذه في ابتعاد الأطفال عن ألعاب الهاتف العنيفة التي تسبب الانعزال وكذلك الاضطرابات النفسية التي تترك الحروب بها ندوبًا في أذهان الصغار.

Related Post